مفهوم الحب
معنى الحـب وأصل اشتقاقه :
قيل : إن المحبة أصلها من : الصَّفاء ، ذلك أن العرب تقول في صفاء بياض الأسنان ونضارتها: ( حَبَبُ الأسنان ).
وقيل : إنها مأخوذة من الحُباب . وهو الذي يعلو الماء عند المطر الشديد. فكأنَّ غليان القلب وثوراته عند الاضطرام والاهتياج إلى لقاء المحبوب يُشبه ذلك.
وقيل : مشتقة من الثبات والالتزام ، ومنه : أَحَبَّ البعير، إذا برك فلم يقُمْ، لأن المحبَّ لزم قلبه محبوبه .
وقيل : النقيض ، أي مأخوذة من القلق والاضطراب، ومنه سُمى (القرط) حبّاً لقلقه في الأذن ، قال الشاعر :
تبيتُ الحية النّضْناض منه
مكان الحَبِّ تستمع السِّرارا
وقيل : بل هي مأخوذة من الحُبِّ جمع حُبَّة وهي لباب الشيء وأصله ؛ لأن القلب أصل كيان الإنسان ولُبّه ، ومستودع الحُبِّ ومكمنه.
وقيل : في أصل الاشتقاق كثير غير هذا، لكننا نعزف عن الإطالة والإسهاب . ولتعريف الماهية نقول إن الحب هو: الميْل الدائم بالقلب الهائم، وإيثار المحبوب على جميع المصحوب ، وموافقة الحبيب حضوراً وغياباً ، وإيثار ما يريده المحبوب على ما عداه ، والطواعية الكاملة ، والذكر الدائم وعدم السلوان ، قال الشاعر:
ومَنْ كان من طول الهوى ذاق سُلْوَةً
فإنِّيَ من ليْلى لها غيرُ ذائقِ
وأكثر شيء نِلتـُهُ من وصالها
أَمانِيُّ لم تصدُق كلَمْعةِ بارقِ
أو عمى القلب عن رؤية غير المحبوب ، وصَمَمهُ عن سماع العذل فيه، وفي الحديث الذي رواه الإمام "أحمد" تصديق ذلك، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [حُبُّك الشيءَ يُعْمي ويُصمّ ].
أو الحضور الدائم ، كما قال الشاعر:
يا مقيماً في خاطري وجَناني
وبعيداً عن ناظري وعِياني
أنت روحي إن كنتُ لستُ أراها
فهي أدنى إليّ من كُلِّ دانِ
أسماء الحب ومراحله.
وقال آخر:
خيالك في عيني، وذكراك في فمي
ونجواك في قلبي، فأيْن تغيبُ ؟!
أسماء الحب ومراحله :
وضعوا للحب أسماء كثيرة منها المحبة والهوى والصبوة والشغف والوجد والعشق والنجوى والشوق والوصب والاستكانة والود والخُلّة والغرام والهُيام والتعبد. وهناك أسماء أخرى كثيرة أمسكنا عن ذكرها التقطت من خلال ما ذكره المحبون في أشعارهم وفلتات ألسنتهم وأكثرها يعبر عن العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة.
الهوى : يقال إنه ميْل النفس ، وفعْلُهُ: هَوِي، يهوى، هَوىً، وأما: هَوَىَ يَهوي فهو للسقوط، ومصدره الهُويّ.
وأكثر ما يستعمل الهَوَى في الحبِّ المذموم، قال تعالى: (وأمَا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنَّ الجَنَّة هي المأْوى ) [النازعات 40-41] .
وقد يستعمل في الحب الممدوح استعمالا مقيداً، منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يؤْمن أحدكم حتى يكون هَواهُ تبعاً لما جئتُ بِه].صححه النووي
وجاء في الصحيحين عن "عروة بن الزبير" - رضي الله عنه - قال: (كانت خولة بنت حكيم: من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت "عائشة" رضي الله عنها : أما تستحي المرأة أن تهَبَ نفسها للرَّجُل؟ فلمّا نزلت ( تُرْجي من تشاء مِنْهُنَّ )(الأحزاب51 ) قلت: يا رسول الله ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك "
والصَّبْوة : وهي الميل إلى الجهل، فقد جاء في القرأن الكريم على لسان سيدنا "يوسف" عليه السلام قوله تعالى:
( وإلا تَصرفْ عني كيدَهن أصبُ إليهنَّ وأكنُ من الجاهلين ).[يوسف30]
والصّبُوة غير الصّبابة التي تعني شدة العشق، ومنها قول الشاعر:
تشكّى المحبون الصّبابة لَيْتني
تحملت ما يلقون من بينهم وحدْي
والشغف: هو مأخوذ من الشّغاف الذي هو غلاف القلب، ومنه قول الله تعالى واصفاً حال امرأة العزيز في تعلقها بيوسف عليه السلام ( قد شغفها حُباً ) ، قال "ابن عباس" رضي الله عنهما في ذلك: دخل حُبه تحت شغاف قلبها.
والوجد : وعُرف بأنه الحب الذي يتبعه الحزن بسبب ما.
والكَلَفُ : وهو شدة التعلق والولع، وأصل اللفظ من المشقة، يقول الله تعالى: ( لا يُكلف الله نفساً إلا وُسْعَهَا )[البقرة286] . وقال الشاعر:
فتعلمي أن قد كلِفْتُ بحبكم
ثم اصنعي ما شئت عن علم
ثم العشق: وكما يقال عنه: أمرّ هذه الأسماءُ وأخبثها، وقلّ استعمال العرب القدماء له، ولا نجده إلا في شعر المتأخرين، وعُرِّف بأنه فرط الحب. قال الفراء:
العشق نبت لزج، وسُمّى العشق الذي يكون في الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب.
والجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حُزْن.
والشوق: هو سفر القلب إلى المحبوب، وارتحال عواطفه ومشاعره، وقد جاء هذا الاسم في حديث نبوي شريف، إذ روى عن "عمار بن ياسر" رضي الله عنه أنه صلى صلاة فأوجز فيها، فقيل له: أوجزت يا " أبا اليقظان " !! فقال: لقد دعوت بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم" يدعو بهن:
[اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك بَرَد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضرة، ولا فتنة ضالة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداة مهتدين] .
وقال بعض العارفين :
(لما علم الله شوق المحبين إلى لقائه، ضرب لهم موعداً للقاء تسكن به قلوبهم).
والوصَب ُ: وهو ألم الحب ومرضه، لأن أصل الوصب المرض، وفي الحديث الصحيح: [ لا يصيب المؤمن من همّ ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ] .
وقد تدخل صفة الديمومة على المعنى، قال تعالى:
( ولهم عذابٌ واصبٌ ) [الصافات9]وقال سبحانه: ( وله الدينُ واصباً ) .[النحل 52]
والاستكانة: وهي من اللوازم والأحكام والمتعلقات، وليست اسماً مختصاً، ومعناها على الحقيقة : الخضوع ، قال تعالى:
( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )[المؤمنون 76] ، وقال: ( فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا )[آل عمران146] .
وكأن المحب خضع بكليته إلى محبوبته، واستسلم بجوارحه وعواطفه، واستكان إليه.
والوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، يقول الله تعالى: (وهو الغفور الودود)[البروج14] ، ويقول سبحانه: (إن ربي رحيم ودود)[هود90] .
والخُلّة: وهي توحيد المحبة، وهي رتبة أو مقام لا يقبل المشاركة، ولهذا اختص بها في مطلق الوجود الخليلان "إبراهيم" و"محمد" صلوات الله وسلامه عليهما ، قال تعالى: (واتَخَذَ اللهُ إبراهيم خليلاً)[النساء125] .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ إنّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ] وقال صلى الله عليه وسلم: [ لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [ إني أبرأ إلى كل خليل من خلته].
وقيل: لما كانت الخلّة مرتبة لا تقبل المشاركة امتحن الله سبحانه نبيه "إبراهيم" - الخليل - بذبح ولده لما أخذ شعبة من قلبه ، فأراد سبحانه أن يخلّص تلك الشعبة ولا تكون لغيره، فامتحنه بذبح ولده ، فلما أسلما لأمر الله، وقدّم إبراهيم عليه السلام محبة الله تعالى على محبة الولد، خلص مقام الخلة وصفا من كل شائبة ، فدي الولدُ بالذبح.
ومن ألطف ما قيل في تحقيق الخلّة : إنها سميت كذلك لتخللها جميع أجزاء الروح وتداخلها فيها، قال الشاعر:
قد تخلَّلْتِ مسلك الروح مِني وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
وقال بعض العلماء المحققين :
قد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل، وقال: "محمد حبيب الله، و"إبراهيم خليل الله، وهذا باطل من وجوه كثيرة:
منها : أن الخلّة خاصة، والمحبة عامة، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وقال في عباده المؤمنين: ( يُحبُّهم ويُحبونه )[المائدة54] .
ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة رضي الله عنها، ومن الرجال أبوها .
ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم قال: [لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أُخوّة الإسلام ومودته ]
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً].
والغرامُ : وهو الحب اللازم، ونقصد باللازم التحمل ، يقال: رجلٌ مُغْرم، أي مُلْزم بالدين ، قال "كُثِّير عَزَّة":
قضى كل ذي دينٍ فوفّى غريمه و"عزَّة" ممطول مُعنًّى غريمُها
ومن المادة نفسها قول الله تعالى عن جهنم: (إنَّ عذابها كان غراماً ) أي لازماً دائماً.
والهُيام : وهو جنون العشق، وأصله داء يأخذ الإبل فتهيم لا ترعى، والهيم (بكسر الهاء) الإبل العطاش، فكأن العاشق المستهام قد استبدّ به العطش إلى محبوبه فهام على وجهه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وانعكس ذلك على كيانه النفسي والعصبي فأضحى كالمجنون، أو كاد يجنّ فعلاً على حد قول شوقي :
ويقول تكاد تُجَـنُّ به فأقول وأوشك أعبُده
مولاي وروحي في يده قد ضيّعها سلِمت يده
ونصل إلى قمة الهرم صعوداً في معنى الحب ومرادفاته، وهو: التعبد، وقيل فيه: التعبد هو غاية الحب وغاية الذُل يقال: عَبّده الحبُّ أي ذلّله وطريق معبّد بالأقدام، أي مذلل، وكذلك المحب قد ذلـلّه الحب ووطّأه، ولا تصلح هذه المرتبة إلا لذات الله تعالى فمحبة العبودية أشرف أنواع المحبة، وهي خالص حق الله على عباده . وجاء في الصحيح عن "معاذ بن جبل" رضي الله عنه قال:
(كنت سائراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [ يا معاذ] … قلت: لبيك يا رسول الله وسَعدَيك ، قال: [ أتدري ما حق الله على عباده ؟ ] قلت : الله ورسوله أعلم، قال: [حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً… أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم بالنار] .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى رسله بالعبودية في أشرف مقاماته، وهي مقام التحدي، ومقام الإسراء، ومقام الدعوة.
فقال في التحدي: (وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثلهِ)[البقرة23] .
وقال في مقام الإسراء: (سُبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)[الإسراء1] .
وقال في مقام الدعوة: ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه )[الجن19] .
وإذا تدافع أولو العزم الشفاعة الكبرى يوم القيامة، يقول "عيسى" عليه السلام لهم" اذهبوا إلى "محمد"، عَبْدٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهو عليه الصلاة والسلام قد نال ذلك المقام بكمال العبودية وكمال مغفرة الله له، فأشرف صفات العبد صفة العبودية، وأحب أسمائه إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث، وهمّام، وأقبحها حرب ، ومُرة… كما جاء عن الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
أنواع الحـب :
الحب معنًى من أوسع المعاني ، فهو أكبر من أن يحصر في حيز علاقة بين مخلوق ومخلوق، إنه كالنهر الذي تستمد منه القنوات ماءها ثم قد تتشعب كل قناة بدروها فيشمل الحب حب الإنسان لنفسه ، ويتفرع من ذلك حب الوجود وحب كمال الوجود .
ومن حب الوجود يخرج حب البقاء في الدنيا ثم حب الخلود في الجنة في الآخرة ومن حب كمال الوجود ينشأ حب النساء والأبناء والمال والجاه. وهكذا الحال في أنواع الحب الأخرى .
فحب الإنسان لغيره يشمل حب الدين والوطن والآباء والعشيرة والإخوان والأمة بجميع أعضائها المؤمنين وأعلاهم الأنبياء وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا كله حب لهم لا لذاتهم بل لأجل حب الله عزوجل وهو الذي يُحبّ لذاته سبحانه
قال ابن القيم في الدواء الكافي : ( هناك أنواع من المحبة :
أحدها : محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه فإن المشركين وعبّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله .
الثاني : محبة ما يحبه الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر.
الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحبه الله.
الرابع : المحبة مع الله وهي المحبة الشركية وكل من أحب شيئاً مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه نِداً من دون الله وهي محبة المشركين .
وبقي قسم خامس وهو المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله وشغلت عن محبته ) .
ثم العشق: وكما يقال عنه: أمرّ هذه الأسماءُ وأخبثها، وقلّ استعمال العرب القدماء له، ولا نجده إلا في شعر المتأخرين، وعُرِّف بأنه فرط الحب. قال الفراء:
العشق نبت لزج، وسُمّى العشق الذي يكون في الإنسان لِلصُوقهِ بالقلب.
والجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حُزْن.
والشوق: هو سفر القلب إلى المحبوب، وارتحال عواطفه ومشاعره، وقد جاء هذا الاسم في حديث نبوي شريف، إذ روى عن "عمار بن ياسر" رضي الله عنه أنه صلى صلاة فأوجز فيها، فقيل له: أوجزت يا " أبا اليقظان " !! فقال: لقد دعوت بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم" يدعو بهن:
[اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك بَرَد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضرة، ولا فتنة ضالة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداة مهتدين] .
وقال بعض العارفين :
(لما علم الله شوق المحبين إلى لقائه، ضرب لهم موعداً للقاء تسكن به قلوبهم).
والوصَب ُ: وهو ألم الحب ومرضه، لأن أصل الوصب المرض، وفي الحديث الصحيح: [ لا يصيب المؤمن من همّ ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ] .
وقد تدخل صفة الديمومة على المعنى، قال تعالى:
( ولهم عذابٌ واصبٌ ) [الصافات9]وقال سبحانه: ( وله الدينُ واصباً ) .[النحل 52]
والاستكانة: وهي من اللوازم والأحكام والمتعلقات، وليست اسماً مختصاً، ومعناها على الحقيقة : الخضوع ، قال تعالى:
( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )[المؤمنون 76] ، وقال: ( فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا )[آل عمران146] .
وكأن المحب خضع بكليته إلى محبوبته، واستسلم بجوارحه وعواطفه، واستكان إليه.
والوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، يقول الله تعالى: (وهو الغفور الودود)[البروج14] ، ويقول سبحانه: (إن ربي رحيم ودود)[هود90] .
والخُلّة: وهي توحيد المحبة، وهي رتبة أو مقام لا يقبل المشاركة، ولهذا اختص بها في مطلق الوجود الخليلان "إبراهيم" و"محمد" صلوا
ت الله وسلامه عليهما ، قال تعالى: (واتَخَذَ اللهُ إبراهيم خليلاً)[النساء125] .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ إنّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ] وقال صلى الله عليه وسلم: [ لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [ إني أبرأ إلى كل خليل من خلته].
وقيل: لما كانت الخلّة مرتبة لا تقبل المشاركة امتحن الله سبحانه نبيه "إبراهيم" - الخليل - بذبح ولده لما أخذ شعبة من قلبه ، فأراد سبحانه أن يخلّص تلك الشعبة ولا تكون لغيره، فامتحنه بذبح ولده ، فلما أسلما لأمر الله، وقدّم إبراهيم عليه السلام محبة الله تعالى على محبة الولد، خلص مقام الخلة وصفا من كل شائبة ، فدي الولدُ بالذبح.
ومن ألطف ما قيل في تحقيق الخلّة : إنها سميت كذلك لتخللها جميع أجزاء الروح وتداخلها فيها، قال الشاعر:
قد تخلَّلْتِ مسلك الروح مِني وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
وقال بعض العلماء المحققين :
قد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل، وقال: "محمد حبيب الله، و"إبراهيم خليل الله، وهذا باطل من وجوه كثيرة:
منها : أن الخلّة خاصة، والمحبة عامة، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وقال في عباده المؤمنين: ( يُحبُّهم ويُحبونه )[المائدة54] .
ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة رضي الله عنها، ومن الرجال أبوها .
ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم قال: [لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أُخوّة الإسلام ومودته ]
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً].
والغرامُ : وهو الحب اللازم، ونقصد باللازم التحمل ، يقال: رجلٌ مُغْرم، أي مُلْزم بالدين ، قال "كُثِّير عَزَّة":
قضى كل ذي دينٍ فوفّى غريمه و"عزَّة" ممطول مُعنًّى غريمُها
ومن المادة نفسها قول الله تعالى عن جهنم: (إنَّ عذابها كان غراماً ) أي لازماً دائماً.
والهُيام : وهو جنون العشق، وأصله داء يأخذ الإبل فتهيم لا ترعى، والهيم (بكسر الهاء) الإبل العطاش، فكأن العاشق المستهام قد استبدّ به العطش إلى محبوبه فهام على وجهه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وانعكس ذلك على كيانه النفسي والعصبي فأضحى كالمجنون، أو كاد يجنّ فعلاً على حد قول شوقي :
ويقول تكاد تُجَـنُّ به فأقول وأوشك أعبُده
مولاي وروحي في يده قد ضيّعها سلِمت يده
ونصل إلى قمة الهرم صعوداً في معنى الحب ومرادفاته، وهو: التعبد، وقيل فيه: التعبد هو غاية الحب وغاية الذُل يقال: عَبّده الحبُّ أي ذلّله وطريق معبّد بالأقدام، أي مذلل، وكذلك المحب قد ذلـلّه الحب ووطّأه، ولا تصلح هذه المرتبة إلا لذات الله تعالى فمحبة العبودية أشرف أنواع المحبة، وهي خالص حق الله على عباده . وجاء في الصحيح عن "معاذ بن جبل" رضي الله عنه قال:
(كنت سائراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [ يا معاذ] … قلت: لبيك يا رسول الله وسَعدَيك ، قال: [ أتدري ما حق الله على عباده ؟ ] قلت : الله ورسوله أعلم، قال: [حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً… أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم بالنار] .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى رسله بالعبودية في أشرف مقاماته، وهي مقام التحدي، ومقام الإسراء، ومقام الدعوة.
فقال في التحدي: (وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثلهِ)[البقرة23] .
وقال في مقام الإسراء: (سُبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)[الإسراء1] .
وقال في مقام الدعوة: ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه )[الجن19] .
وإذا تدافع أولو العزم الشفاعة الكبرى يوم القيامة، يقول "عيسى" عليه السلام لهم" اذهبوا إلى "محمد"، عَبْدٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهو عليه الصلاة والسلام قد نال ذلك المقام بكمال العبودية وكمال مغفرة الله له، فأشرف صفات العبد صفة العبودية، وأحب أسمائه إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث، وهمّام، وأقبحها حرب ، ومُرة… كما جاء عن الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
-*-*-*-*-*-
أسمى تحية لك من مر من هنا